تفسير الاصحاح العاشر من سفر التكوين

 


 

🌎 الأصحاح العاشر من سفر التكوين: جدول الأمم وانتشار الشعوب

هذا الأصحاح ليس مجرد قائمة أسماء جافة، بل هو خارطة جغرافية وتاريخية توضح كيف نشأت الأمم المختلفة، مؤكداً على أن البشرية كلها تنحدر من أصل واحد (نوح وعائلته) وأن الانتشار تم حسب خطة إلهية.

 

1. نسل يافث (الآيات 1-5)

يافث هو الابن الأكبر أو الأوسط لنوح. نسل يافث هو الأقل تفصيلاً في هذا الجدول.

  • أبناؤه: سبعة (جُومَرُ، مَاجُوجُ، مَادَايُ، يَاوَانُ، تُوبَالُ، مَاشَكُ، وَتِيرَاسُ).

  • انتشار النسل: يوصف نسل يافث بأنهم "تَفَرَّقُوا فِي جَزَائِرِ الأُمَمِ فِي أَرَاضِيهِمْ".

    • التحديد الجغرافي: يُفسر نسل يافث تقليدياً على أنه أصل الشعوب الأوروبية وبعض الشعوب التي سكنت آسيا الصغرى (تركيا الحديثة)، وربما بلاد اليونان.

    • الدلالة الروحية: كما جاء في بركة نوح (تك 9: 27)، نسل يافث يتسم بالتوسع والانتشار الجغرافي ("لِيَفْتَحِ اللهُ لِيَافَثَ")، وهذه النبوءة تتحقق هنا بالاستيطان في "جزائر الأمم" (المناطق الساحلية البعيدة). مشاركتهم في الإيمان (السكن في مساكن سام) ستتحقق لاحقاً عندما ينتشر الإنجيل إلى الأمم (الأمميين).

       

2. نسل حام (الآيات 6-20)

حام هو الابن الأصغر لنوح، وقد صدرت اللعنة على ابنه كنعان. هذا النسل هو الأكثر تفصيلاً، خاصة بسبب ذكر نمرود.

  • أبناؤه: أربعة (كُوشُ، مِصْرَايِمُ، فُوطُ، وَكَنْعَانُ).

  • التحديد الجغرافي: سكن نسل حام في الغالب مناطق إفريقيا وشمال إفريقيا (مِصْرَايِمُ - مصر، فُوطُ - ليبيا/المغرب العربي)، والجزيرة العربية (كوش)، وفلسطين وسواحلها (كنعان).

أ. نسل كوش ونمرود (الآيات 8-12)

  • نمرود: هو شخصية محورية وشريرة، يوصف بأنه:

    • "ابْتَدَأَ يَكُونُ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ.": كلمة "جبار" (Nephilim) تُذكِّر بالجبابرة الذين سادوا قبل الطوفان (تك 6: 4)، مما يشير إلى أن طبيعة العنف والغطرسة والسيطرة البشرية عادت للظهور سريعاً بعد الطوفان.

    • "كَانَ جَبَّارَ صَيْدٍ أَمَامَ الرَّبِّ.": الصيد هنا لا يعني صيد الحيوانات فقط، بل ربما صيد البشر والسيطرة عليهم. تعبير "أمام الرب" يحمل معنى التحدي والتبجح وليس الاستحسان الإلهي.

    • تأسيس الممالك: هو مؤسس أول الممالك الحضارية المنظمة (بابل، وأورشك، وأكد، وكلنة) في أرض شنعار، التي ستكون مركزاً للتمرد اللاحق في قصة برج بابل.

ب. نسل كنعان

  • يشمل نسل كنعان الشعوب التي استوطنت أرض الموعد (الفلسطينيون، الصيدونيون، العموريون، إلخ). هؤلاء هم الشعوب التي صدرت بحقها لعنة نوح بسبب خطأ حام، وهي الشعوب التي أمر الله بني إسرائيل بإزالتها لاحقاً لفسادها.

     

3. نسل سام (الآيات 21-32)

سام هو الأب الروحي للأمم، ويُذكر هنا بالتفصيل لأنه هو الخط المختار الذي سيأتي منه الخلاص.

  • أبناؤه: خمسة (عِيلاَمُ، أَشُّورُ، أَرْفَكْشَادُ، لُودُ، وَأَرَامُ).

  • التحديد الجغرافي: سكن نسل سام في الغالب مناطق الشرق الأوسط (العراق، سوريا، الجزيرة العربية).

     

  • أهمية نسل سام:

    • يُذكر نسب سام بعد حام ويافث، رغم أهميته، لتثبيت فكرة أنهم جميعاً سواسية أمام الله في الأصل، لكن سام هو الذي يحمل البركة والعهد.

    • عَابِرُ: يُذكر نسبه لاحقاً (الآية 25)، وهو الذي يُنسب إليه العبرانيون (Hebrews)، أي نسل إبراهيم.

  • حادثة "فَالَجُ": "وَلأَخِي عَابِرَ اسْمُهُ فَالَجُ، لأَنَّ فِي أَيَّامِهِ انْقَسَمَتِ الأَرْضُ."

    • التفسير: هذا الانقسام قد يشير إلى حدثين:

      1. الانقسام الجغرافي الفعلي: تفرق الشعوب بعد الطوفان.

      2. الانقسام اللغوي: التفسير اللاهوتي والتقليدي يربطه بالانقسام الناتج عن حادثة برج بابل (الذي سيأتي في الأصحاح التالي)، حيث تفرقت الألسنة.

         

4. خاتمة الأصحاح (الآيات 31-32)

  • يختم الأصحاح بالتأكيد على أن كل هذه العائلات تفرقت "فِي أُمَمِهِمْ وَأَقْطَارِهِمْ وَأُمَمِهِمْ... حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ وَأَرَاضِيهِمْ وَأُمَمِهِمْ."


🌟 

الأصحاح العاشر يؤسس لمفاهيم لاهوتية هامة:

  1. الوحدة البشرية: البشرية كلها تنحدر من أصل واحد (آدم ثم نوح)، وهو ما يلغي أي أساس للتفرقة العنصرية.

  2. الانتشار والتدبير الإلهي: تفرق الشعوب تم تحت إشراف الله لملء الأرض، حسب بركات ونبوءات نوح.

  3. صراع السلطان: ظهور نمرود كأول جبار ومؤسس للممالك يدل على عودة التمرد البشري والسعي للسلطة الدنيوية المتمردة على الإرادة الإلهية.

  4. خط الخلاص: يُؤكد الأصحاح على أهمية نسل سام كحامل للعهد الإلهي، والذي سيُركز عليه السرد لاحقاً، استعداداً لميلاد إبراهيم ثم المسيح.

 

تعليقات

الأكثر مشاهدة

تفسير سفر التكوين الاصحاح الاول

تفسير الاصحاح الخامس من سفر التكوين

تفسير سفر التكوين بالكامل