تفسير الاصحاح الخامس من سفر التكوين

 


 

📜 الأصحاح الخامس من سفر التكوين: سجل الأنساب من آدم إلى نوح

الأصحاح الخامس هو سجل تاريخي دقيق لـ "كِتَابِ مَوَالِيدِ آدَمَ". إنه سجل نسل شيث الصالح (الذي بدأ في الأصحاح الرابع)، ويؤكد على استمرار البشرية، وفي نفس الوقت، على حتمية العقوبة المترتبة على السقوط، وهي الموت.

1. مقدمة السجل والهدف منه (الآيات 1-3)

  • "هذَا كِتَابُ مَوَالِيدِ آدَمَ. يَوْمَ خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ، عَلَى شَبَهِ اللهِ عَمِلَهُ.": تذكير بـ الكرامة الأصلية للإنسان.

    • بالرغم من السقوط، لم تُفقد صورة الله كلياً، بل تشوهت. يذكر النص أن الإنسان خُلق على شبه الله (الآية 1)، للتأكيد على أن البشرية كلها تنحدر من أصل واحد كريم.

  • آدم يلد على صورته: "وَعَاشَ آدَمُ مِئَةً وَثَلاَثِينَ سَنَةً، وَوَلَدَ وَلَداً عَلَى شَبَهِهِ كَصُورَتِهِ وَدَعَا اسْمَهُ شِيثًا."

    • بعد السقوط، أصبح نسل آدم يلد على "شبهه وصورته" التي حملت آثار الخطيئة والموت، وليس فقط على الصورة النقية الأصلية لله. هذا يشير إلى انتقال طبيعة السقوط (الضعف نحو الخطيئة والموت) إلى كل الأجيال اللاحقة.

2. السمة المشتركة: العيش والموت (الآيات 4-20)

يتكرر في هذا السجل نمط ثابت لكل شخصية: عاش (مدة)، ولد (ابناً/أبناء)، وعاش بعده (مدة)، ثُمَّ مَاتَ.

 

الشخصيةالمدة الكلية للحياةالملاحظة الروحية
آدم930 سنةأطول الأجيال عمراً، وهو الذي حمل آثار السقوط مباشرة.
شِيثَ912 سنةيمثل النسل الذي بدأ يدعو باسم الرب (تك 4: 26).
أَنُوشَ905 سنةاستمرار خط العبادة.
قِينَانَ910 سنة
مَهَلَلْئِيلَ895 سنة
يَارَدَ962 سنة
مَتُوشَالَحَ       969 سنةأطول البشر عمراً على الإطلاق، مات في سنة الطوفان.
  • إطالة العمر: العُمْر الطويل جداً لهذه الأجيال يُظهر أن أثر الموت لم يكن قد بلغ ذروته بعد، حيث كان الجسم لا يزال قريباً من حالة الكمال الأصلي في الجنة. كما أن هذا العُمْر الطويل كان ضرورة لتكاثر البشرية ونقل الشريعة والوصية شفوياً.

  • حتمية الموت: بالرغم من هذا العمر الطويل، تظل العبارة الختامية لكل اسم هي: "ثُمَّ مَاتَ". هذا التأكيد المتكرر على الموت هو إثبات على أن عقوبة الوصية الأولى (تك 2: 17: "موتاً تموت") قد تحققت، وأن الموت هو النهاية الجسدية لكل البشرية الساقطة.

3. استثناء عظيم: أخنوخ (الآيات 21-24)

  • نمط فريد: يتغير النمط السردي في حالة أخنوخ، ليعطي بصيص أمل في وسط حتمية الموت:

    • "وَعَاشَ أَخْنُوخُ خَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَوَلَدَ مَتُوشَالَحَ." (النمط العادي)

    • "وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ بَعْدَ مَا وَلَدَ مَتُوشَالَحَ ثَلاَثَ مِئَةِ سَنَةٍ، وَوَلَدَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ."

    • "وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ، وَلَمْ يُوجَدْ، لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ."

  • "سار مع الله": هذا التعبير يصف الشركة المستمرة والقداسة في الحياة اليومية. إنه عكس "السير في أرض نود" (أرض التيه) الذي قام به قايين. أخنوخ لم يختفِ عن العالم بل عاش حياته كلها في طاعة واتصال دائم بالله.

  • رفعه إلى السماء: أخنوخ لم يذق الموت الجسدي (عب 11: 5). رفعه الله هو دليل على:

    1. قوة البر: أن الإنسان يمكن أن ينتصر على الخطيئة ويصل إلى شركة كاملة مع الله.

    2. أول رجاء في القيامة: هو أول نموذج لجسد بشري يذهب إلى السماء، مما يرمز إلى الخلود الذي سيمنحه المسيح. أخنوخ وإيليا (الذي صعد في العهد القديم) يمثلان من سيشاهدون مجيء المسيح الثاني دون أن يذوقوا الموت.

4. نهاية السجل والرجاء في نوح (الآيات 28-32)

  • ميلاد نوح: يأتي نوح في نهاية هذا الجيل الطويل العمر.

  • نبوءة لَامَكَ (أبو نوح): "وَدَعَا اسْمَهُ نُوحاً، قَائِلاً: «هذَا يُعَزِّينَا مِنْ عَمَلِنَا وَتَعَبِ أَيْدِينَا مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ الَّتِي لَعَنَهَا الرَّبُّ»."

    • "نُوحَ" (تعني "راحة" أو "تعزية"): لَامَكَ يربط اسم ابنه بـ الوعد الإلهي بالراحة والتخفيف من اللعنة التي أصابت الأرض بسبب الخطيئة (تك 3: 17). هذه النبوءة تتحقق جزئياً من خلال نوح الذي سيكون سبباً في تجديد الأرض بعد الطوفان، وتتحقق كلياً في المسيح الذي يريحنا من ثقل الخطيئة.

  • الأبناء الثلاثة: ينتهي السجل بذكر أبناء نوح الثلاثة: "سَامٌ، وَحَامٌ، وَيَافَثُ"، وهم أصل البشرية الجديدة بعد الطوفان.


🌟

الأصحاح الخامس هو سجل للموت، ولكنه أيضاً سجل الرجاء والثبات:

  1. حقيقة الموت: الموت هو الحقيقة الثابتة والنتيجة النهائية لفساد الطبيعة البشرية بسبب السقوط.

  2. شركة القديسين: أخنوخ يُظهر أن الحياة الروحية والشركة مع الله هي الطريق الوحيد للهروب من سلطان الموت.

  3. تثبيت خط الخلاص: النسل الصالح (نسل شيث) هو الذي يحافظ على الإيمان والعبادة حتى يظهر نوح، الذي هو رمز للمسيح ورمز المعمودية (الطوفان والنجاة في الفلك).

 

تعليقات

الأكثر مشاهدة

تفسير سفر التكوين الاصحاح الاول

تفسير سفر التكوين بالكامل