تفسير الاصحاح السابع من سفر التكوين
🌧️ الأصحاح السابع من سفر التكوين: الطوفان وبدء الدينونة
يبدأ هذا الأصحاح بتحقيق قرار الله الذي أعلنه في الأصحاح السادس. إنه يسجل اللحظات الأخيرة قبل وقوع الدينونة الكونية، مؤكداً على بر نوح وشمولية العقاب.
1. دعوة نوح للدخول إلى الفلك (الآيات 1-5)
دعوة شخصية قائمة على البر: "وَقَالَ الرَّبُّ لِنُوحٍ: «ادْخُلْ أَنْتَ وَجَمِيعُ بَيْتِكَ الْفُلْكَ، لأَنِّي إِيَّاكَ رَأَيْتُ بَارًّا لَدَيَّ فِي هذَا الْجِيلِ»."
أساس النجاة: النجاة ليست عملية عشوائية، بل هي قائمة على اختيار إلهي مبني على بر نوح. النعمة الإلهية (تك 6: 8) وجدت استجابة في بر نوح، مما جعله أهلاً ليصير أصل البشرية الجديدة.
إحضار الحيوانات: أمر الله نوحاً بأن يُدخل إلى الفلك:
من البهائم الطاهرة: سبعة أزواج (ذكر وأنثى).
من البهائم التي ليست طاهرة: زوج واحد (ذكر وأنثى).
من طيور السماء: سبعة أزواج.
الغاية: ليس فقط الحفظ من الانقراض، ولكن أيضاً لتكون هناك ذبيحة طاهرة بعد الطوفان (تك 8: 20) وللتكاثر. هذا التمييز بين الطاهر وغير الطاهر يشير إلى مبادئ الشريعة التي كانت معروفة ضمنياً.
مهلة سبعة أيام: أُعطيت مهلة أخيرة مدتها سبعة أيام قبل بدء الطوفان ("لأَنِّي بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أُمْطِرُ عَلَى الأَرْضِ"). هذا يدل على طول أناة الله وإعطائه فرصة للتوبة حتى اللحظات الأخيرة.
2. إتمام الاستعداد والدخول إلى الفلك (الآيات 6-10)
طاعة نوح: "فَفَعَلَ نُوحٌ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَهُ بِهِ الرَّبُّ." تأكيد على الطاعة الكاملة لنوح.
توقيت الدخول: حدث الطوفان عندما كان عمر نوح ستمئة سنة.
المدعوون للنجاة: دخل الفلك نوح، وزوجته، وأبناؤه الثلاثة (سام وحام ويافث)، وزوجات أبنائه (أي ثماني نفوس).
رمزية الدخول: الدخول إلى الفلك يمثل الاعتزال عن العالم الفاسد، والمعمودية (في العهد الجديد)، حيث أن الفلك خلص بالماء (1 بط 3: 20-21).
3. بدء الطوفان (الآيات 11-16)
مصادر المياه: يُحدد النص مصدرين للمياه:
"تَفَجَّرَتْ كُلُّ يَنَابِيعِ الْغَمْرِ الْعَظِيمِ": مياه جوفية مصدرها الأرض.
"انْفَتَحَتْ طَاقَاتُ السَّمَاءِ": المطر الغزير لمدة أربعين يوماً وأربعين ليلة.
التفسير الروحي: هذا الدمج بين تفجُّر الأرض وانفتاح السماء يرمز إلى أن الدينونة جاءت من الله بجميع جوانب الخليقة، الأرض والسماء معاً شاركا في تنفيذ الحكم.
إغلاق الباب الإلهي: "وَدَخَلَتْ إِلَى نُوحٍ إِلَى الْفُلْكِ اثْنَانِ اثْنَانِ مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ... وَأَغْلَقَ الرَّبُّ عَلَيْهِ."
الفعل الإلهي الحاسم: لم يغلق نوح الباب، بل الرب الإله أغلق عليه. هذا الفعل يحمل دلالتين:
حماية الذين في الداخل: ضمان سلامتهم.
قطع الرجاء عن الذين في الخارج: انتهاء زمن الفرصة والتوبة والدخول إلى الخلاص.
4. اشتداد المياه وشمولية الهلاك (الآيات 17-24)
ارتفاع الفلك: "وَكَانَ الطُّوفَانُ أَرْبَعِينَ يَوْماً عَلَى الأَرْضِ. وَتَكَاثَرَتِ الْمِيَاهُ وَرَفَعَتِ الْفُلْكَ، فَارْتَفَعَ عَنِ الأَرْضِ."
الفلك كإناء الخلاص: الفلك لم يتحرك بقوة ذاتية، بل رفعته المياه التي أغرقت الآخرين. هذا يرمز إلى أن الخلاص (الكنيسة) يرتفع فوق تيارات الشر العالمية.
شمولية الطوفان:
المدة: استمر اشتداد المياه مئة وخمسين يوماً.
العلو: "تَغَطَّتْ جَمِيعُ الْجِبَالِ الشَّامِخَةِ الَّتِي تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ. خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعاً فِي ارْتِفَاعٍ تَعَاظَمَتِ الْمِيَاهُ، فَتَغَطَّتِ الْجِبَالُ." هذا التأكيد على التغطية الكاملة للجبال يدل على أن الطوفان كان شاملاً لكل الأرض في ذلك الوقت.
هلاك الحياة على الأرض: "فَمَاتَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ كَانَ يَدُبُّ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ وَالْوُحُوشِ وَكُلُّ الزَّحَّافَاتِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى الأَرْضِ، وَجَمِيعُ النَّاسِ."
العقوبة الكلية: الهلاك كان عاماً وشاملاً، باستثناء نوح ومن معه في الفلك. هذا يوضح أن الخطيئة التي تفشت في الإنسان أثرت على كل الخليقة المادية أيضاً.
🌟
الأصحاح السابع هو دليل على:
عدل الله في الدينونة: الله لا يمكن أن يتجاهل الفساد والشر الذي وصل إلى ذروته.
البر والنجاة بالنعمة والطاعة: نجاة نوح كانت بفضل النعمة الإلهية، التي وجدها في قلبه البار، واستجاب لها بالطاعة الكاملة (دخوله الفلك).
رمزية الفلك والمعمودية: الفلك يرمز إلى المسيح والكنيسة. كما أن الذين دخلوا الفلك نجوا من ماء الدينونة، فإن المؤمنين يعبرون إلى الحياة الجديدة خلال ماء المعمودية، متجنبين دينونة العالم.

تعليقات
إرسال تعليق