تفسير الاصحاح 14 من سفر التكوين

 


 

⚔️ الأصحاح الرابع عشر من سفر التكوين: حرب الملوك ولقاء ملكي صادق

ينقسم الأصحاح إلى ثلاثة مشاهد رئيسية: الحرب، إنقاذ إبراهيم للوط، ولقاء إبراهيم بأهم شخصيتين: ملكي صادق وملك سدوم.

 

1. حرب الملوك وسبي لوط (الآيات 1-12)

  • خلفية الحرب: سُردت قصة تحالف أربعة ملوك شرقيين (بقيادة كَدَرْلَعَوْمَرَ ملك عيلام) ضد خمسة ملوك من مدن السهل (سدوم وعمورة وغيرها). وكانت مدن السهل تخضع لكدرلعومر ودُفعت للتمرد.

     

  • مسار الحرب: قامت الجيوش المهاجمة بضرب مناطق واسعة قبل الوصول إلى وادي السديم (البحر الميت حالياً)، حيث هُزم ملوك سدوم وعمورة.

     

  • سبي لوط: عند هزيمة ملوك السدوم، "فَأَخَذُوا جَمِيعَ أَمْلاَكِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَجَمِيعَ أَطْعِمَتِهِمْ وَمَضَوْا. وَأَخَذُوا لُوطاً ابْنَ أَخِي أَبْرَامَ وَأَمْلاَكَهُ وَمَضَوْا، إِذْ كَانَ سَاكِناً فِي سَدُومَ."


    • نتيجة اختيار لوط: لوط، الذي اختار المنطقة المادية الجذابة (تك 13: 11) متجاهلاً شر أهلها، حصد نتيجة قراره وانخرط في مصيرهم. تم سَبيُه كجزء من غنيمة الحرب.

       

2. تدخُّل إبراهيم الباسل (الآيات 13-17)

  • الخبر والتحرك السريع: عندما علم إبراهيم بأمر سبي لوط، لم يتردد، بل قام بعمل بطولي سريع:

    • "فَلَمَّا سَمِعَ أَبْرَامُ أَنَّ أَخَاهُ سُبِيَ، جَرَّ غِلْمَانَهُ الْمُتَمَرِّنِينَ، وِلْدَانَ بَيْتِهِ، ثَلاَثَ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَتَبِعَهُمْ إِلَى دَانَ."

    • إبراهيم الفادي: يظهر هنا إبراهيم في دور الفادي لأقربائه. بره ليس فقط في العبادة بل في العمل والحب العملي، مخاطراً بحياته لإنقاذ لوط، بالرغم من اختيار لوط الخاطئ بالانفصال عنه.

       

  • النصرة الإلهية: لحق إبراهيم بالملوك وهزمهم، واسترد "جَمِيعَ الأَمْلاَكِ، وَرَدَّ لُوطاً أَخَاهُ وَأَمْلاَكَهُ، وَالنِّسَاءَ أَيْضاً وَالشَّعْبَ."

    • يُنسب النصر إلى تدخل الله؛ فكيف يمكن لـ 318 رجلاً مدرباً أن يهزموا تحالف أربعة ملوك فاتحين؟ النصر هو إثبات على أن الله يحارب مع إبراهيم.

       

3. لقاء ملكي صادق وملك سدوم (الآيات 18-24)

عند عودة إبراهيم من المعركة، التقى بشخصيتين رئيسيتين:

 

أ. ملكي صادق الكاهن (الآيات 18-20)

  • تعريف ملكي صادق: ملكي صادق هو:

    1. ملك ساليم: ساليم هي أورشليم القديمة. اسم "ملكي صادق" يعني "ملك البر".

    2. كاهن لله العلي: هو كاهن لا ينتمي إلى نسل هارون (الذي لم يكن قد وُجد بعد)، بل هو كاهن للـ "الله العلي" (إيل عليون)، وهو اسم يُستخدم لوصف الله الخالق الذي يملك السماء والأرض.

  • عمل ملكي صادق:

    • أحضر خبزاً وخمراً: هذا التصرف يُرى في التقليد اللاهوتي كـ رمز مبكر لسر الإفخارستيا (التناول)، خبز وخمر كتقدمة كهنوتية.

    • بركة إبراهيم: "وَبَارَكَهُ وَقَالَ: «مُبَارَكٌ أَبْرَامُ مِنَ اللَّهِ الْعَلِيِّ... وَمُبَارَكٌ اللَّهُ الْعَلِيُّ الَّذِي أَسْلَمَ أَعْدَاءَكَ فِي يَدِكَ»." ملكي صادق يبارك إبراهيم باسم الله العلي.

  • عطية إبراهيم: "فَأَعْطَاهُ أَبْرَامُ عُشْراً مِنْ كُلِّ شَيْءٍ."

    • دلالة العُشر: دفع العُشر للكاهن الأرقى يدل على اعتراف إبراهيم بـ سلطة ملكي صادق الكهنوتية ومركزه الروحي الأعلى، وهو ما أكد عليه الرسول بولس لاحقاً في (عب 7: 1-10) ليشرح تفوُّق كهنوت المسيح (على رتبة ملكي صادق) على كهنوت هارون (اللاوي).

       

ب. ملك سدوم والتنازل النبيل (الآيات 21-24)

  • طلب ملك سدوم: طلب ملك سدوم استرجاع النفوس (البشر)، وعرض على إبراهيم أخذ جميع الأملاك (الغنائم).

  • رفض إبراهيم القاطع: "فَقَالَ أَبْرَامُ لِمَلِكِ سَدُومَ: «رَفَعْتُ يَدِي إِلَى الرَّبِّ الإِلهِ الْعَلِيِّ مَالِكِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لاَ آخُذَنَّ لاَ خَيْطاً وَلاَ شِرَاكَ نَعْل... لِئَلاَّ تَقُولَ: أَنَا أَغْنَيْتُ أَبْرَامَ»."

    • نقاوة الهدف: رفض إبراهيم الغنائم من ملك سدوم الشرير ليؤكد أن مصدر غناه وبركته هو الرب الإله العلي فقط، وليس من خير البشر الأشرار أو الغنائم الدنيوية. هذا يعزز نقاء إيمانه وتكريسه الكامل لله.


 

🌟 

  1. ملكي صادق رمز المسيح: هذه الشخصية هي رمز أساسي للمسيح، لأنه "ملك البر" و"ملك السلام"، وكهنوت المسيح هو على رتبته (مزمور 110: 4).

     

  2. إبراهيم رجل الفداء والبركة: أظهر إبراهيم حبه العملي لإنقاذ لوط، وأظهر بره الروحي بعبادة ملكي صادق ورفضه لمال العالم.

     

  3. العشور والكهنوت: الأصحاح يؤسس لمبدأ العشور كاعتراف بالكهنوت الإلهي والسلطة الروحية الأسمى.

     

  4. الاكتفاء بالله: رفض إبراهيم لغنائم سدوم يؤكد على أن المؤمن يجب أن يعتمد على وعود الله لغناه ونجاحه، وليس على كرم أو مساعدة العالم الفاسد.

 

تعليقات

الأكثر مشاهدة

تفسير سفر التكوين الاصحاح الاول

تفسير سفر التكوين بالكامل

تفسير الاصحاح الخامس من سفر التكوين