تفسير الاصحاح 13 من سفر التكوين

 


 

🌾 الأصحاح الثالث عشر من سفر التكوين: الانفصال والوعد المُتجدِّد

يُظهر هذا الأصحاح التناقض بين حياة إبراهيم المؤمن الذي يضع مصالحة وسلامة الآخرين قبل مصالحه الخاصة، وحياة لوط المادي الذي اختار الغنى الدنيوي على البركة الروحية.

 

1. العودة إلى كنعان والنمو الروحي (الآيات 1-4)

  • العودة من مصر: "فَصَعِدَ أَبْرَامُ مِنْ مِصْرَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُ، وَلُوطٌ مَعَهُ، إِلَى الْجَنُوبِ."

    • صعود روحي: العودة من مصر (رمز العالم) إلى كنعان (رمز الشركة مع الله) يمثل توبة إبراهيم ونموه الروحي بعد خطأ الكذب والنزول إلى مصر. لقد عاد غنياً مادياً ولكن الأهم أنه عاد لـ قيادة الله.

       

  • ازدهار مادي وامتلاك إيمان: "وَكَانَ أَبْرَامُ غَنِيّاً جِدّاً فِي الْمَوَاشِي وَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ."

    • هذا الغنى كان جزئياً عطية من فرعون (تك 12: 16)، ولكنه الآن مُكرَّس للرب.

       

  • العودة إلى المذبح: "وَسَارَ فِي مَسِيرِهِ مِنَ الْجَنُوبِ إِلَى بَيْتِ إِيلَ... إِلَى مَكَانِ الْمَذْبَحِ الَّذِي عَمِلَهُ هُنَاكَ أَوَّلاً."

    • العبادة كنقطة انطلاق: أول ما فعله إبراهيم هو العودة إلى المكان الذي أقام فيه مذبحه الأول. هذا يؤكد على أن العبادة والشركة مع الله هما الأساس الذي تبنى عليه حياته الروحية والمادية.

       

2. الخصام والانفصال الحكيم (الآيات 5-13)

  • سبب الخلاف: "وَلَمْ تَحْتَمِلْهُمَا الأَرْضُ أَنْ يَسْكُنَا مَعاً، لأَنَّ أَمْلاَكَهُمَا كَانَتْ كَثِيرَةً، فَلَمْ يَقْدِرَا أَنْ يَسْكُنَا مَعاً. فَحَدَثَتْ مُخَاصَمَةٌ بَيْنَ رُعَاةِ مَوَاشِي أَبْرَامَ وَرُعَاةِ مَوَاشِي لُوطٍ."

    • التحدي: الازدهار المادي أصبح سبباً للنزاع (تحدي البركة)، والخلاف كان بسبب ضيق الأرض وعجزها عن تحمل القطيعين الكبيرين.

       

  • عرض إبراهيم النبيل: "فَقَالَ أَبْرَامُ لِلُوطٍ: «لاَ تَكُنْ مُخَاصَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ... لأَنَّنَا نَحْنُ إِخْوَةٌ. أَلَيْسَتْ كُلُّ الأَرْضِ أَمَامَكَ؟ اعْتَزِلْ عَنِّي."

    • الأخلاق والروحانية: إبراهيم يظهر نضجه الروحي وسمو أخلاقه. يضع السلامة الروحية (العلاقة الأخوية) فوق المصالح المادية، ويترك للوط اختيار الأفضل.

    • الثقة في الله: تنازل إبراهيم عن حق الاختيار كان نابعاً من ثقته المطلقة في وعد الله؛ فإذا كان الله قد وعده بالأرض، فستكون الأرض له بغض النظر عن القطعة التي يختارها لوط.

       

  • اختيار لوط المادي: "فَرَفَعَ لُوطٌ عَيْنَيْهِ وَرَأَى دَائِرَةَ الأُرْدُنِّ كُلَّهَا... أَنَّهَا قَبْلَمَا خَرَّبَ الرَّبُّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، كَانَتْ كُلُّهَا سَقْياً كَجَنَّةِ الرَّبِّ، كَأَرْضِ مِصْرَ."

    • اختيار بالعيون لا بالإيمان: لوط اختار بناءً على الظاهر الجذاب (الخضرة والماء) وعلى أساس المصلحة المادية، دون اعتبار للجو الروحي الفاسد للمنطقة ("كَجَنَّةِ الرَّبِّ، كَأَرْضِ مِصْرَ"). اختار قرب سَدُومَ، التي يوصف أهلها بأنهم: "كَانُوا أَشْرَاراً وَخُطَاةً لِلرَّبِّ جِدّاً."

       

3. تجديد الوعد الإلهي لإبراهيم (الآيات 14-18)

  • التعزية والبركة بعد التنازل: بعد انفصال لوط (الذي يمثل العكاز البشري لإبراهيم)، تدخل الله فوراً لتعزية إبراهيم وتثبيت وعده: "وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ، بَعْدَ اعْتِزَالِ لُوطٍ عَنْهُ: «ارْفَعْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ شَمَالاً وَجَنُوباً وَشَرْقاً وَغَرْباً." 

    • وعد الأرض: "لأَنَّ جَمِيعَ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ تَرَى، لَكَ أُعْطِيهَا وَلِنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ."

    • وعد النسل: "وَأَجْعَلُ نَسْلَكَ كَتُرَابِ الأَرْضِ." هذا الوعد بالكثرة الفائقة (كنجوم السماء أو تراب الأرض) يتكرر هنا ويؤكد على أن نسل إبراهيم لن يكون فقط جسدياً (التراب)، بل روحياً (المؤمنون).

       

  • إعلان السلطان والملك: "قُمْ وَامْشِ فِي الأَرْضِ طُولَهَا وَعَرْضَهَا، لأَنِّي لَكَ أُعْطِيهَا."

    • هذا الأمر هو بمثابة عربون تمليك. مشي إبراهيم في الأرض يرمز إلى إعلانه الإيماني بملكيتها له ولنسله.

       

  • الاستقرار والعبادة: "فَنَقَلَ أَبْرَامُ خِيَامَهُ وَأَتَى وَأَقَامَ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا الَّتِي فِي حَبْرُونَ، وَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ."

     

    • بناء المذبح: المذبح هو الختام اللائق للأحداث. بعد انفصال روحي عن لوط، يؤكد إبراهيم على اتصاله بالله وبداية حياته الجديدة بالعبادة والشركة في مكان استقراره الجديد.


 

🌟 

  1. بركة الإيثار: بركة الله لإبراهيم تضاعفت لأنه تنازل عن حقه ووضع السلام فوق المادة، وهذا هو جوهر الحياة المسيحية.

  2. العيون المادية والعيون الروحية: لوط حكم بالبصر واختار دائرة الأردن المادية وجوار الشر، بينما إبراهيم حكم بالإيمان ونال وعداً إلهياً بالنظر إلى الأرض كلها.

  3. تجديد العهد: الله يجدد وعده لإبراهيم بعد كل محنة (الخروج من مصر، انفصال لوط)، مؤكداً أن العهد معتمد على أمانة الله، وليس على قوة الإنسان أو اختياره.

 

تعليقات

الأكثر مشاهدة

تفسير سفر التكوين الاصحاح الاول

تفسير سفر التكوين بالكامل

تفسير الاصحاح الخامس من سفر التكوين