تفسير الاصحاح 12 من سفر التكوين

 


 🛤️ الأصحاح الثاني عشر من سفر التكوين: دعوة إبراهيم وبداية العهد

بعد أن أظهر الأصحاحات السابقة فشل البشرية في الحفاظ على العهد (آدم، نوح، بابل)، يختار الله شخصاً واحداً ليعيد بناء علاقته مع البشرية.

1. دعوة الله لإبراهيم ووعده (الآيات 1-3)

  • النداء الإلهي: "وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ، إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ»."

    • قاعدة الإيمان: الدعوة تتطلب الترك الكامل للعالم القديم (الأرض، العشيرة، بيت الأب) الذي يمثل عبادة الأوثان والاعتماد الذاتي، والسير نحو مستقبل مجهول يقوده الله وحده. هذا هو المبدأ الأول لحياة الإيمان: الطاعة والثقة في وعود الله.

  • الوعد العظيم (العهد الإبراهيمي): يتكون الوعد من ثلاثة عناصر أساسية:

    1. وعد الأرض: "إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ" (أرض كنعان).

    2. وعد النسل: "فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً" (نسل عظيم).

    3. وعد البركة العالمية: "وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ." هذا هو الجوهر اللاهوتي للعهد؛ إبراهيم لم يُدعَ لخلاصه الخاص فحسب، بل ليصبح قناة بركة وخلاص للعالم كله (وهذا يتحقق في نسل إبراهيم، أي المسيح).

2. استجابة إبراهيم ورحلته (الآيات 4-9)

  • الطاعة الفورية: "فَانْطَلَقَ أَبْرَامُ كَمَا قَالَ لَهُ الرَّبُّ... وَكَانَ أَبْرَامُ ابْنَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً لَمَّا خَرَجَ مِنْ حَارَانَ."

    • إيمان عامل: إبراهيم أطاع فوراً دون أن يعرف إلى أين يذهب (عب 11: 8)، مما جعل إيمانه نموذجاً لكل المؤمنين.

  • الوصول إلى كنعان: وصل إبراهيم إلى "أَرْضِ كَنْعَانَ" ومر بـ "شَكِيمَ إِلَى بَلُّوطَةِ مُورَةَ."

  • أول ظهور للرب في كنعان: "وَظَهَرَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ وَقَالَ: «لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ»."

    • تأكيد الوعد: هذا الظهور يؤكد الوعد الأرضي ويثبته.

  • العبادة والشهادة: "فَبَنَى هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ."

    • إعلان الإيمان: في كل محطة استقر فيها، قام إبراهيم ببناء مذبح. بناء المذبح هو إعلان إيمان وشكر للرب في وسط أرض وثنية، وهو بداية لتكريس الأرض للرب.

3. الرحلة إلى مصر والسقوط الأول (الآيات 10-20)

  • المجاعة والنزول إلى مصر: "وَحَدَثَ جُوعٌ فِي الأَرْضِ، فَانْحَدَرَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ لِيَتَغَرَّبَ هُنَاكَ، لأَنَّ الْجُوعَ كَانَ شَدِيداً فِي الأَرْضِ."

    • الاستقلالية عن الله: هذا القرار كان أول سقوط أو هفوة في حياة إبراهيم. فبدلاً من الثقة في الله ليُدبِّر له في أرض الموعد أثناء المجاعة، لجأ إلى مصر (التي ترمز إلى العالم وقوة الجسد في اللاهوت).

  • خطيئة الكذب: "فَقَالَ لِسَارَايَ امْرَأَتِهِ: «إِنِّي عَلِمْتُ أَنَّكِ امْرَأَةٌ حَسَنَةُ الْمَنْظَرِ. فَيَكُونُ إِذَا رَآكِ الْمِصْرِيُّونَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: هذِهِ امْرَأَتُهُ، فَيَقْتُلُونَنِي وَيَسْتَبْقُونَكِ. قُولِي: إِنَّكِ أُخْتِي»."

    • الخوف وضعف الإيمان: الكذب كان نابعاً من الخوف على حياته، وهو يتناقض مع وعد الله بحمايته (تك 12: 2). هذا الكذب عرَّض زوجته، التي كانت حاملة لوعد النسل، للخطر.

  • تدخل الله للخلاص: "فَضَرَبَ الرَّبُّ فِرْعَوْنَ وَبَيْتَهُ ضَرَبَاتٍ عَظِيمَةً بِسَبَبِ سَارَايَ امْرَأَةِ أَبْرَامَ."

    • أمانة الله: بالرغم من ضعف إبراهيم وخطيئته، ظل الله أميناً لوعده ودافع عن إبراهيم وساراي، لأنهما يحملان خطة الخلاص.

  • عزل فرعون إبراهيم: فرعون وبَّخ إبراهيم وأمر بإخراجه من مصر مع كل ما يملك.



🌟 

يُعلِّمنا الأصحاح الثاني عشر دروساً هامة في حياة الإيمان:

  1. أساس الإيمان هو الطاعة والتغرب: الإيمان يتطلب ترك المألوف والسير في المجهول بناءً على كلمة الله.

  2. مركزية البركة العالمية: الهدف النهائي لدعوة إبراهيم هو أن يصبح مصدر خلاص وبركة لكل العالم، وهذا الوعد يتحقق في شخص المسيح.

  3. ضعف الإنسان ورحمة الله: حتى أعظم رجال الإيمان يقعون في الخطأ (الكذب والنزول إلى مصر). لكن أمانة الله للعهد تفوق ضعف الإنسان، والله يتدخل لإنقاذ خطته حتى من أخطاء مختاريه.

  4. مصر كرمز للعالم: مصر، التي لُجئ إليها بسبب الجوع، لم تجلب إلا الخطر والمشاكل، وهي ترمز إلى الاعتماد على قوة العالم ووسائله بدلاً من الثقة في تدبير الله.






تعليقات

الأكثر مشاهدة

تفسير سفر التكوين الاصحاح الاول

تفسير سفر التكوين بالكامل

تفسير الاصحاح الخامس من سفر التكوين